إغتصاب فرحة

لم تكن تطمع فى البعثة التى أعلنت عنها الكلية لمن يحصل على تقدير إمتياز. ولكنها أرادت أن تثبت تفوقها لنفسها ولأهلها ولربها قبلهما. وبالفعل بذلت قصارى جهدها. فكلل الله عملها بالتفوق وحصلت على التقدير الذى أرادته. وأصبحت بذلك المُرشحة الأولى لا ينافسها سوى الحظ.

وتناست هذه البعثة حتى لا تشيد لنفسها قصراً من الخيال فى سماء الأحلام. فقد تعلمت أن تترك حياتها لأقدارها ولا تعبث فيها.

ولكنها فوجئت ذات يوم بتلغراف يخبرها بأنها بالفعل قد تم ترشيحها لهذه البعثة.

وشعرت أن العالم لا يسع تلك السعادة التى شعرت بها وقتذاك. وهنا فقط أطلقت سراح أحلامها وفكت كبوة جواد طموحاتها كى تنطلق إلى العنان.

إلا أن جاءها مكالمة هاتفية- قبل ميعاد السفر بأيام قليلة- زلزلت كيانها وعصفت بمشاعرها

تخبرها بكل بساطة: عفواً..لن تستطيعى السفر.

- كان ذلك يوم الخميس الساعة العاشرة صباحاً- ذهبت سريعاً إلى كليتها لمقابلة الشخص المسئول عن هذا وهى تحاول جاهدة التماسك حتى تستفهم عن سبب إستبعادها بهذه الطريقة الغريبة.

سألته مستفهمة: لماذا إذن أرسلتم لى هذا التلغراف؟.

أخذه منها ليطلع عليه

قائلاً:إنها غلطة.. فقد تم تصحيح ورق إحدى الطلاب وحصل على قدر من الدرجات أكثر مما حصلتى عليه.

وهنا لم يعد لهذا فائده- ملوحاً بالتلغراف فى وجهها- وقام بتقطيعه ورماه فى سلة المهملات .

وهنا أدركت إستحالة سفرها فعملية إغتيال كرامتها وطموحاتها مدبرة وتركته وهى محطمة.

لم تدرى ماذا تفعل وشعرت بقلة حيلتها وهوانها على الناس.

لقد تم إغتصاب فرحتها وإغتيال كرامتها وتدمير أحلامها وقتل طموحاتها. وكان هذا كفيلاً بانهيارها.

وخاصة بعد ما علمت فيما بعد بأن هذا الطالب النبغة لم يكن سوى قريب لهذا الشخص. وأصابها إكتئاب حاد ولكنها بدت التماسك فبقدر إنكسارها الداخلى وجرحها الغائر إلا أن تقربها من الله وتضرعها إليه هداها إلى محاولة البحث عن ذاتها المفقودة من جديد وبالفعل تم تعيينها فى وظيفة مرموقة قدرت نبوغها العلمى فى مجال تخصصها.

وبعد مرور سنوات عديدة إذ بمكالمة هاتفية أبداً لم تكن تتوقعها تخبرها بأن هذا الشخص الذى أغتصب فرحتها يرجوها بأن تسامحه على ما فعله معها فقد أصابه الوحش الكاسر ذى الأنياب السامة وعلم أن أيامه الباقية قليلة جداً فأراد أن يخلص ديونه.

ورغم تألمها لمصير إنسان يهاجمه وحش لا يستطيع أحد إيقافه إلا أن هذا لن يعيد غشاء فرحتها المنتهكة ولا سيبث الروح فى طموحاتها المقتولة ولا سيشيد مجد أحلامها المدمرة.

وأعطاها العنوان الذى يعالج فيه حتى يعتذر لها وجها لوجه فأخذته منه وهى عازمة على الذهاب خصيصاً لرؤيته مدمراً وشعرت بأنها حينما تراه هكذا منهزماً أمام الألم الرهيب الذى يعانى منه ستعود إليها كرامتها من جديد. وستثأر لفرحتها المغتصبة حينما تراه يتذلل إليها طالباً السماح.

وعندما ذهبت إليه وجدت الموت قد سبقها إليه.

- تمت-.

------------

" لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون".