إرتدت عباءتها البني وطرحتها البيج الطويلة، وهيأت نفسها إستعدادًا للخروج؛ فاليوم هو عيد زواجها الأول.
تعلم جيداً مهام زوجها،عمله الذى يستمر ساعات كثيرة كطبيب بيد أنه وعدها سابقًا بأن هذا اليوم سيكون لها وحدها, وقتها قالت له:" لن أكون طماعة، سأستولى على ربع اليوم فقط ، سأمر عليك قبل صلاة العشاء لكي نصليها سويا في مسجد السيدة نفيسة الذي شهد على أول يوم أصبحنا فيه زوجين"
وبعد أن ألقت نظرة على نفسها في المرآة لتتأكد من هندامها.. ذهبت إلى المطبخ ،ألقت نظرة على التورتة داخل البراد، تأكدت بأن الطعام مغلف جيداً بورق الفويل؛ ليحتفظ بسخونته حين عودتهما.. ثم دخلت غرفتها لتطمئن على وضعية الأشياء فيها.. ففيها سيتم الإحتفال الرئيسي بعد الصلاة في المسجد.. أطمأنت على وجود العطر المميز في الفواحة التي تعطر الغرفة، مجموعة من الورود المنفردة التي نشرتها في جميع الأركان، حرصت على وجود ألبومات الصور التي ضمتهم سويًا طوال عام كامل.. ولم تنسى الهدية المغلفة بعناية وفوقها شريط الزينة الخاص بها الذي يبرز كارت في مقدمة الشريط كتبت فيه أرق الكلمات وأعذبها, ثم نظرت على السرير لتجد فستان السهرة الخاص بها مع حذائه السواريه- حتى ترتديه سريعًا فور دخولهما المنزل- وأيضا بدلته المحببة لها.. حتى يكون الإحتفال وكأنه في أجمل الفنادق.. أتمت على إكتمال كل هذه الأشياء وقالت لنفسها:" ترى سيكون فاكر أم أن مشاغل عمله أنسته؟.. لقد هاتفته اليوم كعادتنا لكنه لم يأتي لي بسيرة عن التاريخ ..حتى لم يهنئني بقول كل سنة وأنتي طيبة"
أغلقت باب الشقة خلفها وهي تدعو :" يارب لا تجعله يخيب أملي".
-------------------------
وصلت إلى المستشفى وصعدت الطابق المخصص له، حينما رآها السكرتير إستأذن الطبيب الذي سمح بدوره بدخولها على الفور.. فتح لها باب دخول غرفة زوجها الخاصة والذي تحوي بداخلها غرفة أخرى خاصة بالكشف.
نظرت له وعيونها تتحدث قائلة:" ترى هل تدري لمَ أتيت؟".
وكأنه قرأهما فرد عليها مبتسماً قائلاً:" خشيت أن تنسي" .
وهنا مدت يدها لتعانق يده وضحكت قائلة:" وهل يُعقل أن أنسى يومنا هذا.. أجمل يوم في عمري الذي جمعنا الله فيه بالحلال.. كل عام وأنت بخير يا حبيبي" وهمت أن تحيط عنقه بذراعيها..
ولكنه قاطعها قائلاً بصوت منخفض:" لدي مريض بالداخل ، سأنتهي من الكشف عليه ثم أتفرغ لكِ تماما"
بدت على ملامحها الضيق قائلة:" أنت تعلم بزحمة الطريق في مثل هذا الوقت..كان عليك أن تؤجل هذا الكشف لغدًا" .
رد عليها قائلاً بعيون حانية:" في الحقيقة خشيت أن تكوني نسيتي وهذا المريض معه موعد منذ شهرين .
لم ترد.. ولكنه لمح نظرة ضيق في عينيها، وغضب صامت على ملامح وجهها.. تركها ودخل غرفة الكشف فسمعته يقول للمريض:"أنا آسف جداً لأني لن أستطيع الكشف عليك الآن فهذا الوقت خاص بزوجتي".
لم تسمع صوت المريض بماذا يرد على زوجها ولكن زوجها استرد قائلا:" أمامك إختياران.. الأول:أن تؤجل الكشف وتأتي في الميعاد الذى سيحدده لك السكرتير.. والثاني: أن تخرج لزوجتي وتستأذن منها أن تأخذ من وقتها ربع ساعة".
لم تتوقع أن تسمع زوجها الطبيب المشهور يقول هذا الكلام ..فابتسمت وهي تتوقع أن ينصرف المريض ..
ولكن زوجها خرج يسبقه بخطوات قائلاً لها:" سيأتي بنفسه يستأذنك".
نظرت له مبدية تعجبها من هذا الموقف الذي وضعت فيه، ثم ما لبثت أن تلاشت نظرة التعجب بنظرة أخرى تحمل الدهشة والضيق والغضب وأشياء أخرى كثيرة لم تستطع تفسيرها.. ففي هذه اللحظة رأت آخر شخص تتمنى رؤيته، وفى هذا اليوم تحديداً. ومر أمام عينيها عدة مشاهد ..
ففي مثل هذا اليوم منذ قرابة خمسة أعوام كانت تمر بأسوأ أيام حياتها بسببه.
تذكرت كم من المرات التي مرضت نفسياً وجعل هذا يؤثر على جسدها من خلال أفعاله غير الآدمية معها.
تذكرت تصرفاته المهينة لها ورفضه لاصطحابها للطبيب و كم كان يتركها بين الحياة والموت ولولا رحمة الله بها لكانت في عداد الأموات .
كم من المرات كان ينهرها إذا سمعها تتأوه ليلاً وهي تغفو جواره من شدة آلامها الجسدية وتستيقظ على صوته المرتفع الغاضب الذي يحذرها بالويل إذا لم تكتم هذا الصوت؛ فهو يريد أن ينام.
كم من المرات التي كان يتعمد إذلالها إذا ما اشترى لها دواء لكي يعطيه لها، وكأنها لم تكن زوجته ولها حق عليه.
كم من المرات التي كان يحبسها داخل غرفتهما ويخرج دون أن يهتم كيف تشرب أو تأكل أو حتى تدخل الحمام.
كم كان يتذرع لها الحجج حتى يشب معها مشاجرة بلا سبب منطقي.
كم من المرات التى كان يشترط إذا ما أرادت أن تذهب للطبيب أن تأخذ أمه معها رغم معرفته الجيدة بأنها لا تقبل هذا الوضع وكأنه بهذا يرضي ضميره؛ فهو قد عرض عليها الذهاب وهي رفضت. كم تمنت الموت على أن تناولها أمه كوباً من الماء.
كم كان قاسيا معها ويقابل كل مشاعرها المخلصة بكل فتور ولا مبالاة.
تذكرت كم من المرات التي ذهبت فيها إلى مركز الشرطة بسببه، وكم من الأسئلة التي توجهت لها وهي المجني عليها وليست الجانية بعد أن سرقها وزور إمضائها.
تذكرت كم أصبحت سيرتها على كل لسان وهي من تعشق الخصوصية.
وكيف اتهمها تارة في شرفها وتارة أخرى في أنوثتها وهي بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب من كل هذه الإفتراءات وكم.... وكم...
أفاقت من شرودها الملحوظ على صوت زوجها الحبيب قائلا:" ها يا حبيبتي رأيك إيه؟".
- تمت-.
سؤال جانبى:
ـــــــــــــــــــــــ
لو أنت مكانها هتعمل إيه؟ وياترى هتقول لزوجها ولا لأ؟
وياترى طليقها كان بيفكر في إيه؟.
ولو زوجها عرف حقيقة هذا المريض ومدى تعذيبة لزوجته وحبيبته فى الماضى هيتصرف معاه إزاى؟