الأحد، 23 أكتوبر 2011

بائع الذُرة


كان والدها بائعاً للذُرة المشوى وكانت تقوم بمساعدته ..فهو يضع الذرة على النار وهى تقوم بالتهوية والتقليب من آن لآخر فقد حان الوقت أن يستريح قليلاً من الوقوف ليلاً ونهاراً من أجل لقمة العيش فابنته الآن كبرت وبإمكانها مساعدته.
ولكنها كانت تطمح فى حياة رغدة خالية من ذل المعيشة والتعرض لتقلبات الجو المختلفة.. كانت تريد الاحتماء من البرد القارص والشمس الحارقة .. كانت تريد أن تسكن فى شقة بدلاً من العِشة التى تسكن فيها مع والدها.
كان يقول لها دائما " كوخ يضحك خير من قصر يبكى .. لا أحد يعلم كيف يعيش هؤلاء.. ولا أحد يعلم إذا كانوا حقاً سعداء أم لا.. راحة البال كنز يا ابنتى".
وكانت تسخط على مايقوله.
وفى يوم جاء رجل فى عمر أبيها يشترى ذرة مشوى وتردد عليهم كثيراً بعدها وفى كل مرة كان يتجاذب أطراف الحديث معها ومع أبيها وعلم من كلام والدها بأن ابنته ساخطة على حياتها وهنا لمع بريق عينيه ونظر إليها فى نهم.
قائلاً : أستطيع أن أوفر لكِ ما ترغبين.
قال والدها: وما المقابل؟.
قال: ستعمل لدى.
قال : وماذا ستعمل؟
قال: أنا أعمل فى الإنتاج التليفزيونى وخاصة فى مجال الإعلانات وستصبح "موديل" أى فتاة إعلانات والأعلان الواحد هيكسبها مبلغ كبير...
قبل أن يسترد فى الكلام قاطعه والدها باعتراض قائلاً: احنا غلابة يا بيه ولا نملك إلا شرفنا.
قال: يا حاج أنت فاهم غلط ففتاة الإعلانات تعمل بشرفها أيضاً.
اعترض الأب ورفض رفضاً قاطعاً وأنهى الحوار قائلاً: نورت يا بيه.

غضبت ابنته وذهبت لتقف بعيداَ وهى متحسرة على الفرصة الذهبية التى ضاعت فى لمح البصر وتفاجئت بقدوم البيه ناحيتها قائلاً لها سريعاً قبل أن يراها والدها: ده الكارت بتاعى كلمينى.. وتركها وانصرف.
شعرت بأنها ستتمسك بالأمل من جديد وانتهزت فرصة نوم أبيها واتصلت بالبيه من كابينة تليفون فى الشارع .
فقال لها: اجهزى بسرعة وأنا هعدى عليكِ حالاً.

وحينما جاء بسيارته الفارهة ذهبت معه وهى سعيدة غير مصدقة بأن أحلامها ستتحقق سريعاً.. مر على محلات للملابس واشترى لها عدة أطقم خروج ولانجيرى فهو لم يقرر بعد نوعية الإعلانات المستخدمة وأخذها معه إلى شقته فهو ينوى تدريبها تدريباً خاصاً لتكون على نفس مستوى فتيات الإعلانات ولسذاجتها دخلت معه وكأنه ولى أمرها وكم كان مهذباً لبقاً وطلب منها أن تدخل الغرفة لتبدل ماترتدى ليراها فى جميع الملابس التى ابتاعها لها.. عادت له مختلفة تماماً ولكن كان ينقصها بعد التجهيزات الأخرى فاتصل بمركز تجميل وطلب إرسال مندوبة لتجهيز عروسة.. قامت بتغيير لون شعرها وقصه وعمل حمامات كريم للشعر وحمام مغربى للجسم وغيرها من المتطلبات التى تجعلها تبدو أكثر إشراقاً.
وحينما رآها فى ثوبها الجديد كاد أن ينسى أنها ابنة بائع الذرة.. بدأ معها فى التدريبات وكان أول تدريب يحدد مدى قدرتها على الرقص والتمايل.
قام بتشغيل أغنية قائلاً لها بتحدى: يا ترى بتعرفى ترقصى؟.
هزت رأسها وكأنها قبلت التحدى قائلة :هتشوف.
وخلعت حذائها باستهتار.
وقامت بالرقص على أكمل وجه مما أثار غرائزه وبدأ يقترب منها بحجة تعديل بعض الحركات التى تؤديها ولكنها أدركت بذكاء الأنثى ما يدور فى ذهنه وصفعته على وجهه وكادت أن تهرب لولا أن رد لها الصفعة ضربات ولكمات واستطاعت أن تهرب منه بأعجوبة وهى حافية القدمين وبفستان شبه عارى ودموعها تغرق وجهها راسمة خطوط سوداء نتيجة خلط ألوان الماكياج على وجهها وظلت تجرى كثيراً فالمسافة أبعد مما تتخيلته ولكنها لم تهتم إلا بنجاتها منه.
وحينما وصلت إلى العِشة التى تسكن فيها مع والدها لم تجد والدها فقد كان يقوم بدورها فى التهوية على الذرة ودموعه تغرق وجهه على ابنته الذى لايعلم أين ذهبت بعد ما استيقظ ولم يجدها ويدعو الله أن تعود له سليمة.

ارتدت ملابسها القديمة وغسلت وجهها جيداً وكأنها تتطهر مما فعلته وذهبت لأبيها.
دون كلمة واحدة منها أخذت المروحة من يده وأخذت تحركها سريعاً ودموعها منسدلة على وجهها بغزارة..
قام الأب كالعادة بوضع الذرة على النار متجاهلاً عودتها ولكن دموع ابنته وقلقه عليها جعله يأخذها فى حضنه.
وهنا انفجرت فى البكاء قائلة :سامحنى يا با.
قال لها وهو ينظر فى عينيها ويضع وجهها بين كفيه: أنتى كويسة؟.
ردت عليه قائلة : اطمن راسك هتفضل طول عمرها مرفوعة.
- تمت-.


هناك 13 تعليقًا:

P A S H A يقول...

"وظلت تجرى كثيراً فالمسافة أبعد مما تخيلتها ولكنها لم تهتم"
الرجوع للصواب بيبقى أصعب من تركه
:)
قصة هايلة يا أمة الله
دمتي في خير وسعادة

~ISLAM~ يقول...

بجد جزاكى الله خير على الاخلاق الحميده اللى بتغرسيها فينا بمواضيعك فى المدونه

انا بحييكى بجد ربنا يباركلك

الفقر مش عيب ابدا والطموح لازم ميكونش على حساب الاخلاق والشرف

تحياتى لقلمك الراقى جدا جدا

دعاء العطار يقول...

كويس انها لحقت نفسها ف الوقت المناسب

كتيييير بيندموا بعد فوات الاوان

جميله القصه يامونى :)

beautiful mind يقول...

قصة مؤثرة
ولا ادعي انها خياليه
فهي موجوده في واقعنا الاليم
تحياتي

AHMED SAMIR يقول...

الواقع مليء بمثل هذه القصص مع اختلاف النهايات.....
تحياتي

غير معرف يقول...

صباح الغاردينيا موناليزا
قصة رائعة وهادفة فليس كل مايملع ذهباً لو كانت خسرت شرفها لخسرت حياتها تلك الحياة البسيطة أطهر بكثير من حياة ترف مغمسه بـ الوحل "
؛؛
؛
لروحك عبق الغاردينيا
كانت هنا
reemaas

مها البنا يقول...

أعجبنى تعليق المدون P A S H A

حقاً .. الرجوع للصواب أصعب كثيراً من تركه

لكن الحمد لله أن أعطانا تلك الفرصه للعوده والتوبه والمغفره والعفو

تحياتى لقلمك موناليزا ... تحياتى وإحترامى :)

افكار مبعثرة يقول...

قصة رائعة واقعية جدا فمن منا لم يشعر لحظة بعدم الرضا عن حاله لينظر لحال غيره و لكن سرعان ما يعود لصوابه
فما يقسمه الله هو الافضل لنا دائما فالحمد لله
ابدعتي
تحياتي

EMA يقول...

جميلة اوى القصة بجد و فعلا هي واقع قد يتكرر كل يوم

تسلمي اختي و يسلم طرحك الطيب

تحياتي

دعاء يقول...

أنها قصة جميلة و رائعة ..
تجدث في حياتنا الكثير من هذه القصص في حياتنا قد
نكون جزءا منها و قد نسمعها في احيان أخرى
إنها قصة متجددة و بقوالب مختلفة في كل مرة

قصة عولجت بلمسة راقية ,,,
كل التقدير لك ...

تحيآتي لك ...

النسر المهاجر يقول...

قصة جميلة وأفضل جزء هى عوتها لان الإنسان مش بيتعلم كويس الا لما يقع فى التجربة الخطأ
وللأسف كثير من الأشخاص يعتبرون أن الفقراء مثل تلك الفتاه سلعه رخيصة يمكن أن تشترى

صوفي يقول...

قصة رائعة . بارك الله في قلمك

موناليزا يقول...

أهلا وسهلا بجميع السادة الحضور
أشكركم كثيراً لرأيكم فى القصة ولتعليقكم عليها
وأعتذر لعدم ردى على كل تعليق على حدة نظراً لضيق وقتى
نورتونى جميعا وفى انتظاركم دائما