الأربعاء، 5 مارس 2014

لم أر ابنتي


ذهب ليقضي عطلة ترفيهية مع أصدقائه القدامى، وكان يرتدي وشاحاً صوفياً آثار إعجاب الجميع.

فسأله أحدهم:  إنه قيم و أنيق ..من أين ابتعته.
فأجاب بلا مبالاة: صنعته ابنتي.
قال الصديق بانبهار: حقاً ..يا لها من فنانة فهو لا يدل على أنه صناعة يدوية وكأن تم انتاجه في مصنع متمرس؛ فتداخل الألوان ومتانة الخيوط  والتقفيل النهائي رائع بحق.
شعر بقليل من الزهو فقال: هي تقضي وقت فراغها في صنع مثل هذه الأشياء.
سأله برجاء: هل تخبرها أن تصنع لي وشاحاً شبيهاً؟.
أجابه: سأطلب منها ذلك.

-----------------------------

في العام الذي يليه وفي عطلة جديدة مع أصدقائه أخبرهم على استحياء حينما سألوه عن  ابنته بأنها ألفت كتاباً.

عاتبه أحد الأصدقاء على عدم إتيانه بالكتاب معه في الرحلة موقعاً من ابنته ليقرؤوه.
أخبرهم قائلاً:  الكتاب متوفر في المكتبات المختلفة وتستطيعون الحصول عليه حينما نخرج للتنزه ليلاً.
غضب الصديق قائلاً: كنت أريده موقعاً من الكاتبة شخصياً .
ابتسم الأب مازحاً: حينما نبتاعه سأوقع لك مكانها.
لم يتقبل الصديق المزحة: ما دخلك أنت لكي توقع على الكتاب.. على أية حال سأعاتبها حين أهاتفها لأشكرها على الوشاح.

بعدما قرأ الكتاب انبهر بأسلوبه المختلف وقوة لغته وشعر بالفخر لأنه
 يعرف الكاتبة شخصياً، ودعاها لحضور أمسية شعرية،
 ثم بعدها يحتسيا سوياً مشروباً ساخناً..

جلس إليها ولفت نظره أسلوبها الراقي في الحوار وثقافتها المتنوعة،

 وخفة روحها، ودماثة خلقها فهو لم يرها ويتحدث معها هكذا منذ سنوات عديدة..
 وقتها كانت مازالت طفلة صغيرة أما الآن فهي فتاة شابة يتمنى الجميع قربها.

أشاد بتربيه صديقه لابنته وأثنى عليها، وظل يتحدث عنها أمام بقية الأصدقاء

 بانفعال يوشي بأنها قد تركت أثراً واضحاً في روحه.

تعجب الأب من تعليق صديقه على ابنته فهو لم يرها هكذا يوماً.

فمازال يذكر سخريته الدائمة مما تصنعه ابنته من أشغال يدوية متنوعة
ويتهمها دوماً بالتبذير وإنفاق الأموال فيما لايفيد.
أما كتابها فهو لم يهتم يوماً بقراءته حتى بعدما سار محطاً للأنظار
 عبر وسائل الإعلام المختلفة.
كان يخشى من مقابلتها لأصدقائه فهي بالنسبة له سطحية التفكيرأو بمعنى أدق
 مجرد طفلة لم تنضج بعد لترتقي لمحادثة الكبار والجلوس معهم.
ولهذا لم يسمح لها بالتحدث معهم على الإطلاق، فكلما أراد أحد منهم سؤالها
 عن الكتاب تطوع هو بإجابة مقتضبة ومختصرة، وغير دفة الحوار
للتحدث عن ذكرياته المزعومه عن طفولتها، فما كان من أحد أصدقائه
 أن قام ونادى عليه ليشاركه تدخين النرجيلة بعيداً عن هذه الجلسة..
 فقام معه باقتضاب بعدما نفدت أعذاره ولم يستطع أن يفلت من حصاره.

فاجئه ردود فعل أصدقائه ورغبتهم في أن تتعرف على أبنائهم وتصادقهم
 وعرض أحدهم عليه بأن تلقي ابنته ندوة في مكتبته الشهيرة بوسط البلد
 لتتحدث فيه عن تجربتها مع الكتابة.

اقترب من مكان جلوسها مع أحد أصدقائه دون أن يلاحظوا وجوده ليراها
 -لأول مرة- عن قرب.
في يوم الندوة،
 تجرد من نظرة الأب لتحل محلها نظرة إنسان يكتشف فتاة مكتملة الأنوثة.
- وليست طفلة صغيرة-  تتحدث بلباقة - وليس بتهتهة- لديها مرونة في الحوار
 بحيث تنتقل من موضوع لآخر بتلقائية مع ابتسامة جذابة تنم عن الثقة بالنفس
 - وليس عن بلاهة-.
شعر بالغيرة من نظرات أحد أصدقائه لها؛ فهي نظرات رجل لامرأة
وليست نظرة عمو لطفلة .
الآن فقط علم لماذا كانت تغضب ابنته حينما يسمح لأحد أصدقائه أن يُقبلها.
 وتتهمه بأنه لا يغار عليها..
الآن فقط فهم سبب صمتها الدائم بصُحبته.

- تمت-


هناك تعليقان (2):

النسر المهاجر يقول...

قصة جميلة
وكل اب مهما كبر ابنائه فهم صغار فى نظره ولا يتجاوزوا كونهم أطفال حتى لو شاب راسهم
هذا الشعور يغضب الأبناء احيانا ولكن بعد أن يصبحوا اباء سيقدرون ذلك
والنهاية سعيدة إنه أدرك أنها اصبحت امراه فى النهاية وليست طفله

Unknown يقول...

قصة جميلة والبطلة تشبهني كثيراً!